حبيب تومي / اوسلو/ عضو الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية حبيب تومي / اوسلو/ عضو الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية

اقرأ المزيد...

 

habeebtomi@yahoo.com


اين النخوة والشهامة العربية يا أهل الموصل ؟

 14 / 12/ 2009

إن الدارس لتاريخ العراق الحديث سيكون من المتعذر عليه التركيز على بغداد باعتبارها مركز الثقل لتاريخ العراق كما كانت في العصر العباسي ، ففي العهد العثماني تغيرت المعادلة حيث كان تأثير شخصيات وأسر عراقية ، بل ومدن برمتها ان يكون لها دور ، وان تفرض نفوذها في ظل ضعف السلطة المركزية للدولة العثمانية المترامية الأطراف .
مع تلك الظروف كان ولاية الموصل واحدة من الولايات التي تمتعت بحكم محلي ترتبط مباشرة مع الباب العالي في اسطنبول ، وفي هذا السياق يكتب المؤرخ عماد عبد السلام رؤوف ان الأسرة الجليلية تولت مقاليد الحكم في ولاية الموصل ما بين سني 1726 و 1834 ويضيف الكاتب ص 4 من كتابه : الموصل في العهد العثماني :
إن الموصل في هذا العهد تميزت بحكم شبه ذاتي وبشخصية محلية واضحة المعالم تجلت في مختلف الجوانب السياسية والأقتصادية وألأجتماعية وحتى الثقافية والعمرانية ..
من هذه المقدمة نحكم ان الموصل لم تكن بمعزل عن محيطها فهي ولاية الموصل وليست مدينة الموصل فحسب ، وهذه الصيغة تقودنا الى ان مدينة الموصل كانت مركزاً للتعايش بين مختلف المكونات الأثنية والدينية والعرقية في هذا الأقليم . فالتكوين السياسي بعد الدولة العباسية وبشكل خاص في ظل الدولة العثمانية كان العراق مقسماً الى ثلاث ولايات وهي ولاية البصرة وبغداد والموصل . فالتقسيم السياسي يحتم تفاعل بين المكونات التي تشكل ولاية واحدة .
المكونات الدينية الى جانب المسلمين في هذه المنطقة كان هنالك اليهود والمسيحيين والأيزيدية ، وفي مدينة الموصل بالذات كانت الكثاقة الديموغرافية المسيحية تلي المسلمين ومنهم العرب والأكراد والتركمان . ولعب المسيحيون دور كبير في الحياة السياسية والأجتماعية والأقتصادية والثقافية في الموصل .
إضافة الى ذلك كان للمسيحيين الدور البارز حينما حاصر نادر خان ـ الذي اعلن نفسه شاهنشاهاً وتسمى بنادر شاه ـ سنة 1743 م ، وكان ذلك في عهد والي الموصل الحاج حسين باشا الجليلي الذي استبسل مع شعبه للدفاع عن المدينة بوجه تلك القوة الجبارة التي دكت المدينة بالاف

القذائف ، وكان موقف المسيحيين شجاعاً ومشرفاً بالدفاع عن المدينة ومكافأة لتلك المواقف الرجولية كان اهتمام الولاة الجليليين بكنائس الموصل ، كما صدر عام 1744 م فرمان سلطاني بتعمير كنائس الموصل كلها ، وأجاز حسين باشا الجليلي تجديد الكنائس القديمة وألأخرى التي دمرت اثناء الحصار ( عماد عبد السلام : الموصل .. ص451 ) .
اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين تفجر كنائس المسيحيين في الموصل ، ويطالهم القتل والتهجير وتفجر بيوتهم ووو . . هكذا وصل الحال بالموصل بحيث يجري اغتيال الشابين الشقيقين رانكو وريمون نجيب بدم بارد في وضح النهار ، والسبب انهم توجهو للموصل لتصليح سيارتهم ، نعم الى هكذا وصلت حدود النخوة والشهامة العربية في هذه المدينة التي كانت رمزاً للتعايش والتسامح .
موصل مدينة العشائر العربية العريقة بيت توحلة وكشمولة وبصّو وحملقدّو والدملوجي والجومرد والحديد والشنشل والجلبي والعقيلي والعمري والجليلي ... الخ هذه العشائر العربية وغيرها يجري في عقر دارها اغتيال شابين بريئين وهم يتفرجون على المشهد المخزي بحق المدينة العريقة .
إن قوات الشرطة والجيش والأمن والأستخبارات والمحافظ والحكومة العراقية برمتها يقفون عاجزين عن حماية اناس ابرياء يعيشون بشرف ومن عرق جبينهم ، والسبب هو ان هويتهم مسيحية . هذه هي المأساة الحقيقية ونحن في القرن الواحد والعشرين .
إن هذا الشعب الأصيل المسالم بات ورقة للمساومة ، ويحصل توظيف دماؤه للتنافسات السياسية بشكل لا اخلاقي ولا انساني ، وكنا نتوسم في اهل الموصل ان تحتل موقعها التاريخي في عملية صنع القرار السياسي الخيّر والمفيد لعموم العراقيين بكل مكوناتهم الدينية والأثنية والعرقية بينهم العرب والأكراد والتركمان والكلدان وألأرمن والسريان والآشوريين والمندائيين والشبك... الخ وأن تكون مدينة الموصل مدينة التعايش وليس مدينة اشباح يقتل من يدخلها من اجل تصليح سيارته .
هذا واقع مرير لا يناسب والتاريخ المجيد لهذه المدينة العراقية الأصيلة ، إن العنف الذي طال شعبنا الكلداني في هذه المدينة والمسيحيين بشكل عام لا يمكن تبريره ، ولا يتلائم مع ما نعرف عن هذه المدينة ، لقد كانت الموصل واحة التنوع ، فهي ام الربيعين وكان مهرجان الربيع في الموصل ينشر المحبة والتسامح بين تلك المكونات وكانت من كل محافظة تأتي فرقة فنية واحدة لكن من محافظة نينوى كانت تشترك 16 فرقة فنية بأطيافها المتنوعة الجميلة .
اليوم هذه الأطياف محروم عليها ان تدخل هذه المدينة ومن يجروء لان يصلح سيارته فيها فإنه معرض للقتل بدم بارد وفي وضح النهار . هذه هي الحقيقة المرّة التي تحيط بمدينة الموصل التي تتزين ابنيتها بالجوامع وألأديرة التاريخية والكنائس التي يعود بناؤها الى القرون الأولى الميلادية .
إن الحكومة العراقية مقصرة بواجبها لانها لا تقبض على الجناة ولا تقدمهم للمحاكمة ، ولا يوجد من يفك طلاسم واسرار سكوت الحكومة على هذه المظالم وعلى سفك هذه الدماء البريئة .
إن اهالي الموصل الكرام مطلوب منهم ان يعيدوا الوجه التاريخي المشرق لمدينهم وأن ينبذوا بعيداً واقعها المأسوي ووجهها المظلم ، بانغلاقها على كل المكونات التاريخية التي عاشت معهم على مر العصور .
لكي يعود الوجه المشرق لمدينة الموصل الحدباء ينبغي ان تكون واحة عراقية تزدهر فيها كل الأطياف العراقية الجميلة الأصيلة وبعيداً عن منطق القتل والتهجير القسري لها .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها